الحوار أجرته
كنزة صفي الدين : صحفية بالأوبسيرفاتور الفرنسية
ترجمة محمد أوعزيز
حوار مع بيير
فيرميرن* أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة باريس الأولى – بانتيون السوربون، والمتخصص
في تاريخ المغرب.
في خطاب 20 غشت الأخير دعى
الملك محمد السادس المغاربة المقيمين في الخارج "أن يكونوا الأوائل في الدفاع
عن الأمن والتآلف والعيش المشترك في بلدان الاستقبال"، وهو الخطاب الذي يبدو
كصرخة ضد تهديد الدولة الإسلامية حسب بيير فيرميرن.
لماذا يعد
خطاب الملك محمد السادس الأخير تاريخيا ؟
يحظى الخطاب الأخير بأهمية
كبيرة لأنه أول خطاب يلقى صدى حقيقيا خارج المغرب، فالملك سبق له في الكثير من
المرات إدانة الإرهاب خصوصا بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت المغرب سنة 2003، لكن
كل هاته الإدانات لم تلق آدانا صاغية في الغرب، إلا بعد تعرض فرنسا للهجمات الإرهابية
الأخيرة. ولذلك أخذ خطاب الملك بعدا جديدا، مع العلم أنه في فرنسا لا يوجد سلطة
دينية إسلامية وازنة قادرة على إدانة الجهاد.
في خطابه الأخير يقدم الملك
نفسه على أنه أمير المؤمنين، ما حقيقة شرعيته الدينية ؟
عبر تاريخ الإسلام تمتع ملك
المغرب بسلطة وشرعية لا يمكن إنكارهما، فهو يتوفر على سلطة الخليفة، وتمتع أيضا بمكانة
متميزة مقارنة مع الخليفة العثماني في العشرينات بفضل نسبه الشريف. فهو يعد أمير
المؤمنين وخليفة الله وخليفة للرسول محمد، وكذلك سليل البيت الشريف، وهو بالتالي
يملك أهمية حقيقية في تاريخ الإسلام السياسي والتاريخي.
ومع ذلك يجب التفريق بين
تأثيره على الدوائر الإسلامية، فالخطاب سيجد صعوبة في التغلغل لعقليات من استحوذ عليهم
الفكر المتطرف ولا يعترفون بالولاء للسلطة الوطنية إلا ذلك الولاء الذي منحوه
للخليفة البغدادي.
وعلى العكس من ذلك ومن
الناحية الدينية سيكون لخطاب الملك محمد السادس أثر واضح على الأئمة المغاربة
وكذلك على السلطات الإسلامية في العالم السني، ويحظى خطاب الملك بوزن ديني مهم جدا
أكبر حتى من مفتي الأزهر على سبيل المثال.
لماذا تم توجيه الخطاب
للمغاربة في الخارج ؟
بعد تفجيرات باريس وبروكسيل
نلاحظ أن مواطني الإتحاد الأوربي من أصول مغربية بدأو في المشاركة في عمليات
جهادية، وبهذا الخطاب يوجه الملك اهتمامه للمغاربة أو من أصول مغربية المشاركين في
عمليات جهادية، بحيث يخاطبهم مباشرة. ويندرج الخطاب في إطار تصور مغربي للإسلام،
فالبنسبة للملك كل المغاربة المقيمون بالخارج يدخلون تحت راية إمارة المؤمنين ويتبعون
التشريعات المغربية باعتبارهم يحملون الجنسية المغربية ويعتبرون رعايا للملك. وهذا
هو مفهوم البيعة الشريفة : فحتى الملك الراحل الحسن الثاني كان يعتبر اليهود في إسرائيل
تحت حمايته، وبصرف النظر عن الدين وبلد الإقامة فالمغربي المولد يعتبر
"محميا" وتحت تبعية الملك.
فمنذ اعتلائه العرش، وخصوصا منذ
سنة 2003 منع الملك كل العلماء من إصدار أي قانون ديني بحيث يبقى هو الوحيد الذي
يقوم بتأويل النصوص الدينية، وبهذا الخطاب يرمي من جديد للتأكيد على سلطته الدينية
وسلطة الاجتهاد الديني.
كيف يواجه المغرب الدولة
الإسلامية ؟
يهتم المغرب بالرعايا
المغاربة وخصوصا الجيل الذي توجه بالآلاف نحو الجهاد رغم المراقبة الكبيرة للشرطة،
فالمغرب يعد من أبرز الحلفاء للمملكة العربية السعودية ويصنف كقوة سنية تواجه الدولة
الإسلامية.
وداخل المملكة تعتبر
المواجهة نشطة جدا والمغرب دخل في تأطير للمؤسسات الدينية وللأئمة والعلماء،
بالإضافة إلى أن المصالح الأمنية المغربية تتواصل بشكل فعال حيث تتصدر عمليات
تفكيك خلايا إرهابية أسبوعيا صفحات الجرائد.
ما هو التأثير الحقيقي
للخطاب ؟
تأثير هذا الخطاب مهم خصوصا
لأولئك الذين لم يشاركوا في عمليات إرهابية ، في الحقيقة هذا الخطاب لن يكون له
تأثير على أولئك الذين انخرطوا في عمليات جهادية واقتنعوا بفكرة عالمية للإسلام
ولا يعترفون بمنطق الولاءات الوطنية أو البيعة، ويعد المغرب أيضا هدفا للدولة
الإسلامية حيث يعتبره التنظيم حليفا لأعداءه : الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل
ومصر، وبمنطق التنظيم يعد المغرب دولة كافرة وأصبح هدفا لداعش مثل الدول الأوربية.
كما سيكون تأثير الخطاب في الدوائر الغربية كبير جدا إذ سيؤكد على انخراط المغرب
ضد التطرف والتعصب الديني للإسلام المؤسساتي.
لماذا يلجأ الملك للخطابات
المناهضة للاستعمار في خطابه ؟
في هذه الجزئية من الخطاب
توجه الملك للشارع المغربي، فالمغرب يود منافسة الجزائر التي لها تاريخ طويل في
مناهضة الاستعمار إلى جانب دول عديدة في القارة السمراء، خصوصا وأن المغرب طرح قضية
العودة إلى الاتحاد الإفريقي.
ما هو هدف الخطاب غير المعلن
؟
في خطابه الأخير يسعى الملك
محمد السادس إلى ترويج صورته كرائد للإسلام المعتدل وهو أسلوب نهجه المغرب خصوصا
بعد حرب مالي أو خلال الحرب الأهلية في الجزائر خلال سنوات التسعينات من القرن
الماضي. ويعمل الملك على استثمار كل المقومات التي ورثها من أجل تعزيز شرعيته
الدينية ونسبه الشريف لآل البيت وكأمير للمؤمنين لكي يعزز ملكه وسلطاته السياسية
والدينية.
تعليقات
إرسال تعليق