عن "لوموند" الفرنسية...ترجمة محمد واعزيز
كيف تهدأ الأمور في الوقت الذي يستمر فيه إذكاء النقاش ؟ فبعد ساعات من قرار مجلس الدولة وقف قرار منع "البوركيني" في بلدية فيلينوف لوبيت التي تقع في منطقة الألب الفرنسية جنوب شرق فرنسا، تستمر الحكومة في المطالبة بالتهدئة.
وزير الداخلية الفرنسي برنار كازانوف قال في بلاغ لوزارته "يتوجب على الجميع السعي من أجل التهدئة التي تعتبر الضامن الوحيد لتجنب زعزعة الأمن العام وتعزيز العيش المشترك" بينما أكد مانوييل فالس الوزير الأول الفرنسي، على صفحته في الفايسبوك، أن قرار مجلس الدولة لا يستنفد النقاش الذي استحوذ على الشارع السياسي الفرنسي منذ منتصف الصيف.
ويعتبر قرار مجلس الدولة ضربة صريحة لرئيس الحكومة الذي اختار الوقوف في فسطاط المؤيدين للقرارات البلدية المناهضة لزي السباحة (البوركيني). وفي حوار له مع جريدة لابروفانس ، كان فالس قد قال إنه يتفهم ويدعم من أصدر قرارات منع "البوركيني"، وأضاف أن هذا الزي ترجمة لمشروع سياسي ضد المجتمع يعتمد خاصة على استعباد المرأة وهذا ما لا يتوافق مع قيم الدولة الفرنسية والجمهورية. وأبرز على راديو مونتي كارلو أن هذه القرارات لا تعتبر انحرافا.
تنازل جديد
وأثار الموقف الحازم للوزير الأول الفرنسي توترا حتى داخل حكومته، حيث عبر كل من وزيرة التربية الوطنية نجاة بلقاسم ووزيرة الصحة ماريزول تورين، علنا عن معارضتهما لموقف الوزير الأول. وصرح أحد الوزراء لصحيفة لوموند أن قرار مجلس الدولة جاء في الوقت المناسب لأن نار الخلاف بدأت تدب داخل الحكومة.
وفي صفحته على الفايسبوك اعترف فالس بأن المعركة إلى جانب أنها قضائية فهي أيضا سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ويعتبر الوزير الأول منذ شهور أن الموضوع الرئيسي في الإنتخابات الرئاسية المقبلة سيكون عن الهوية والوطنية، ويحيل البوركيني على تأكيد الإسلام السياسي في الفضاء العمومي. وأضاف فالس أن استنكار ارتداء البوركيني لا يعني المس بالحريات الفردية، بل هو استنكار لإسلام دموي ورجعي.
ويأتي موضوع البوركيني ضمن معارك أخرى بدأت منذ قضية الحجاب في المدارس نهاية الثمانينات وقانون منع ارتداء الرموز الدينية سنة 2004 وكذلك القانون المتعلق بالنقاب في الأماكن العامة. واعتبر رئيس الحكومة أن السماح بالبوركيني في الشواطئ يعد "تنازلا جديدا".
وحتى لو حاول فالس أن يتجنب بطريقة ذكية انتقاد قرار مجلس الدولة، فهو يصر على رفض زي البوركيني. ويقول أحد المستشارين الوزاريين معبرا عن غضبه تجاه الوزير الأول "فالس يحاول بناء موقف سياسي يتجاوز القانون". والدليل على ذلك هو الحظر غير القانوني للنقاب في الجامعة، وموقفه الغامض بشأن هذه القضية لعدة أشهر.
قوانين ظرفية
يتمثل دور السلطة التنفيذية في إقتراح تشريعات لحظر ارتداء البوركيني وليس التعبير عن الرفض، لكن رئيس الوزراء الفرنسي يعلم أن اقتراح مشروع قانون بشأن هذا الموضوع بعد أشهر من الجدل الحاد حول إسقاط الجنسية قد يسبب أزمة كبيرة للحكومة، وقد يقرر عدة وزراء النزول من سفينة الحكومة، أولهم وزير الاقتصاد ايمانويل ماكرون الذي ينتظر أي مناسبة لتقديم ترشيحه لسباق انتخابات الرئاسة.
فالحكومة الفرنسية الحالية تواجه تحديات كثيرة من بينها اليمين واليمين المتطرف، حيث قالت مارين لوبين زعيمة اليمين المتطرف "يجب محاربة الطائفية من أجل حماية النساء وتأكيد النظام العلماني وطريقتنا في الحياة حيث المشرع هو الوحيد القادر على تشريع القوانين". كما يدعو المقربون من ساركوزي إلى مبادرة من البرلمان حيث صرح الناطق باسم حزب الجمهوريين، غيوم لاريفي "ليس مجلس الدولة هو الحاكم والمشرع في فرنسا"، ويسعى نواب قريبون من ساركوزي إلى تقديم مقترح قانون ضد البوركيني.
ولا يهم إذا كان سيتم التصويت على مثل هذا النص أم لا، لكن هدف الساركوزيين من القضية هو ممارسة الضغط أكثر على الرئيس هولاند والوزير الأول مانويل فالس، خصوصا أنه لم يتبق على الانتخابات الرئاسية سوى ثمانية أشهر، وفرصة مناسبة لتوجيه رسالة لكسب أصوات ناخبي اليمين المتطرف في الانتخابات التمهيدية.
وحتى قبل اتخاذ مجلس الدولة قرار إلغاء قانون منع البوركيني، كان ساركوزي قد أثار مسألة الحجاب في قلب حملته الانتخابية. في كتابه الجديد "كل شيء من أجل الحياة"، فالرئيس السابق يؤيد قانونا يحظر ارتداء الحجاب في الإدارة وفي المقاولات وفي الجامعات. وكما اليسار يعاني اليمين أيضا من الانقسام، ففي حوار مع صحيفة لوفيجارو طلب ألان جوبي "التوقف عن صب الزيت على النار والكف عن اقتراح قوانين ظرفية ومناقشتها على وسائل الإعلام".
وقال جون ليونيتي لصحيفة لوموند مدعما موقف ألان جوبي "حول ماذا نشرع؟"، رافضا أن يتخذ موقفا من قرار منع البوركيني. فإذا اتخذنا قانونا بمنع البوركيني أو قانونا ضد الرموز الدينية في الأماكن العامة، يجب علينا في الوقت نفسه منع أي نوع من المراسيم الدينية المسيحية، وسيكون محرجا لأولئك الذين يدعون للعودة إلى الجذور المسيحية لفرنسا إذا تم حظر الاحتفالات التي تقام تكريما للقديسين.
تعليقات
إرسال تعليق