في عز الحملة الانتخابية والإستعدادات التي تسبق الاقتراع
التشريعي بالمغرب كل الأحزاب السياسية المغربية استلت ما في جعبتها من برامج ووعود
وشحذت همم مناضليها وأتباعها ومريديها، من أجل إقناع شريحة كبيرة من المغاربة ستشد
الرحال يوم الجمعة القادم إلى مكاتب التصويت لاختيار هذا المرشح أو ذاك هذا الحزب
أو ذاك، لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح في ظل هذا المشهد السياسي الضبابي هو
ما سبب عزوف الكثير من الشباب عن المشاركة في العملية السياسية والانخراط في
الأحزاب عوض هذا العزوف والمقاطعة.
أسباب كثيرة تجعل العديد من المغاربة يقاطعون العملية
السياسية، خصوصا منهم جيل الشباب غير المسجل في اللوائح الإنتخابية أصلا، هذا
الجيل الشاب من حظه ربما أنه جاء في زمن لم تعد فيه أي حدود للمعلومة التي تصل في
حينها من كل أصقاع العالم، جيل يسمع ويرى بأم عينيه عن تجارب الدول التي قطعت
أشواطا كبيرة في درب الديمقراطية، وبنت مؤسسات قوية ساهمت في نموها وازدهارها
وأصبحت تحظى تجاربها بتقدير واحترام العالم وأصبحت اقتصادياتها تحتل مراتب متقدمة
بين الدول الأكثر تقدما اقتصاديا ونموذج تركيا والبرازيل غير بعيد.
في المغرب لا يتم التصويت للأحزاب السياسية على أساس
البرنامج الانتخابي المقنع والمكتمل أو بالنظر للحنكة والتجربة السياسية للمرشح بل
في أحيان كثيرة، وهذا هو السائد في البلدان التي لم تخبر الأعراف الديمقراطية
الحقيقية ويتحكم فيها الأشخاص وليست المؤسسات، يصوت الناس للمرشحين على أساس قبلي
أو عائلي أو بسبب علاقات قائمة على المصالح الضيقة والشخصية، ناهيك عن التصويت من
أجل دراهم معدودات يوزعها المرشح على الناخبين مقابل تصوير صورة التصويت يوم
الاقتراع كدليل قاطع على أن الناخب صوت للمرشح الذي يشتري الأصوات والذمم بحفنة من
الدراهم.
المشهد السياسي في المغرب لا يبشر بالتفاؤل خصوصا أننا
كنا نعقد آمالا كبيرة من أجل التغيير بعد الربيع المغربي سنة 2011 وما رافقه من
تعديلات دستورية لكن للأسف الشديد لم يستطع الحزب الذي وصل إلى السلطة تغيير
الواقع نحو الأفضل. وجهة نظر يقتسمها السواد الأعظم من الشباب، فبمجرد ما تبدأ
بالحديث عن السياسة بشكل عام والإنتخابات بشكل خاص حتى ينطلق من يقول لك أن
السياسة في المغرب غير واضحة المعالم وبالتالي أنا غير متحفز للمشاركة في العملية
السياسية لأن هذه الإنتخابات لن تفرز أحزابا قوية قادرة على تسيير الشأن العام.
يزداد المشهد قتامة كلما أمعنت النظر في الوضع القائم
حيث النظام الإنتخابي لا يسمح لأي حزب سياسي بالحصول على أغلبية مريحة تسمح له
بتشكيل الحكومة لوحده دون اللجوء إلى تحالفات اضطرارية بين ثلاثة أحزاب أو أربعة
لإنتاج حكومة عرجاء تمشي برجل واحدة في الحكم والأخرى في المعارضة كما حدث مع
حكومة عبد الإلاه بنكيران الأولى التي توقفت تجربتها بعد نزول حزب الاستقلال من
سفينتها في منتصف الطريق مما اضطر القصر للتدخل لتجنيب البلاد أزمة سياسية لا تحمد
عقباها وجاء بحزب التجمع الوطني للأحرار القريب من المؤسسة الملكية لحل الأزمة
وإجراء تعديل حكومي.
أشياء كثيرة تجعل قوس المقاطعين للعملية السياسية يتسع
فالشباب يلاحظون أن من يتحرك في البلد هو المؤسسة الملكية في شخص الملك، فهو من
يملك مفاتيح التغيير الحقيقية في المغرب، أما الإنتخابات والعملية السياسية في
المجمل تبقى مجرد مسرحية تلعب فيها الأحزاب دور الكراكيز وليس لها أي تأثير حقيقي
على الملفات الكبرى التي تهم المواطن، وفي دردشة مع شباب في العالم الافتراضي
والواقعي تلمس وعيا بالسياسية لدى الشباب رغم عدم تحزبهم يقولون نحن نقاطع
الإنتخابات لأنها مجرد مسرحية تسوق للخارج على أساس أن المغرب بلد ديموقراطي رغم
أن الحكم الفعلي هو بيد المخزن الذي يوجه إملاءاته وتوجيهاته للأحزاب وهي تطيع
وتنفذ.
حزب المقاطعين لديه مبرراته التي تجعله يقاطع العملية
السياسية فالأحزاب لا تكلف نفسها عناء اللقاء مع الشباب وإعطاءهم فكرة عن الحزب
وكوادره ومخططاته وفكره في زمن غير زمن الإنتخابات بل تنزل فقط يوم الحملة
الإنتخابية لاستدرار عواطف الناس طلبا لأصواتهم على برنامج لا يفقهه حتى من يحمله.
هناك من يشتكي من عدم جدوى التصويت فقد صوت أكثر من مرة ولم يلمس التغيير على أرض
الواقع بل كل مرشح يسعى لخدمة مصالحه الشخصية فقط ولا يخدم مصلحة الشعب من داخل مؤسسة
البرلمان التي يجد فيها بعض البرلمانيين فرصة سانحة لأخذ قسط من الراحة والنوم في
بعض الأحيان.
الكثير من المرشحين يبيعون الوهم للناخبين، يزعمون أنهم
سيغيرون الواقع القائم لكنهم يعلمون علم اليقين أنهم لا يستطيعون الإصلاح قيد
أنملة دون الإصطدام بلوبيات الفساد المتنفذة والمتحكمة، والتي تأبى التغيير وترى
فيه إضرارا بمصالحها، فئة كبيرة من المقاطعين للانتخابات ترى أن ملفات مصيرية مثل
التعليم والصحة والشغل والبنيات التحتية والأمن لم تشهد تحسنا كبيرا بل زادت سوءا
في السنوات الأخيرة بفعل السياسات التي نهجتها الحكومات المتعاقبة.
من أجل إقناع الحزب العريض من الشعب المغربي بالتصويت في
الإنتخابات البرلمانية وبالإنخراط في العملية السياسية عموما، لابد من تغيير حقيقي
وملموس يمس حياة هؤلاء مباشرة بإنشاء ملكية برلمانية يكون فيها لمؤسسة البرلمان7
دور فاعل في الحياة السياسية كما هو الحال في بلدان لها نفس أنظمة الحكم مثل
إسبانيا وبريطانيا، يجب أن يلتزم كل مرشح بما وعد به الناخبين، يجب أن يكون
السياسي نزيها ويده نظيفة لم تتلطخ بفساد، يجب على الأحزاب السياسية أن تنزل من
أبراجها العالية حتى تكون قريبة من الناس ومن همومهم وتطلعاتهم في جميع الأوقات
وليس في زمن الإنتخابات فقط، يجب على النخب الفكرية محاولة إصلاح ذات البين بين
السياسة والناس بتوعيتهم وتثقيفهم سياسيا آنذاك يمكن لحزب الأغلبية الإنخراط في
السياسة.
تعليقات
إرسال تعليق